دائرة من الجحيم المتوارث
الكاتبة :مودة المحمدي
ينهزمُ الكونُ لحزنك سيدّتي و يَسعدُ لمحيّاك!
الكونُ أجمعه يذرفُ دمعه لأجلك و لك!
هذه الكرة الأرضية تتفطّر ألماً و تتشققّ وجعاً لآهاتك ليلاً والنّاسُ نيام!
لفتتني تلك المسافرة عن أرضها حينما التقيتها في أرضٍ جدباء أثناء رحلتي لصيد الوعول أعلى الجبل، تعجبتُ من أمرها أن كيفَ لفتاةٍ جميلة أنْ تجلس هنا بين أشواك النباتات و يداها متسختان من زيْتِ النبتةِ السّوداء بلْ و إنّ فستانها الرّقيق قدْ تمزّقت وروده من حدّة الصّخر، حدّقتُ النّظر بها لأسألها عن حالها فرفعتْ كفيها لي منعاً من النظر!
قفْ عنّي ولا تسألني عن سببِ رحيلي، أنا هنا لأستعيدَ نفسي، اشتقتُ إلى نفسي تلك التّي لا تأبهُ للحياةِ برّمتها!، اشتقتُ إلى نومي الذي كان يخلو من دموعِ الشّوق و اشتقتُ إلى قلبي الذي كان لا يعرفُ نيران الغيرة!
أوّاه أيتها السّماء لمْ أشعر بالأسى هكذا في حياتي!
لمْ أشعرْ بأنّ هناك سجّاناً يقودني إلى زنزانةٍ خاطئة لستُ من المفترضِ أن أكون أنا بها!
انتهتْ حياتي القديمة وودّعتها بدموعِ الشّوق ودّعتُ جُمودي و صلابتي في انهيار المشاعر!
ودّعتُ التنين الذي كان يسكنني و هو الذي كان يقذفُ بالنّاسِ نيرانه و لستُ أنا من يقذفونني بها!
أيّها الصيّاد أكملْ طريقكَ حيثُ تجدُ وعولك، لن تفيدكَ قصّتي بشيء، العالم هذا كلّه مخطئٌ بحقّ الحبّ!
أثنى الصيّادُ رُكبتيه على الأرضِ قائلاً: ربّما ستفوتني الوعولُ اليوم لكننّي لا أودّ أن أكونَ من ذلك العالمُ الذي أوجعك!
أرخى بُندقيته عن ظهره و نحاها جانباً و رفعَ عن عينيهِ نظارة الحماية حتّى تكون العينان أقربَ سبيل يشفي به قلبَ ضائعة!
لقدْ وُلدّت في موطنٍ يُعدمُ الحبّ فيه شنقاً و يُجرّ العاشقُ فيه سجيناً و تحتبسُ فيه الحبيبةُ قضيةٌ مأساويةٌ لا تنتهي بينَ ملفاتِ القضاء!
لقدْ عشتُ بين أناسِ مدينتي فكنتُ عاشقةً بينهم في الخفاء كمن قتل قاتلاً فأخفى جريمته و تلوثّ دماء ضحيته عن عيون البشر!
كنتُ أيّها الصيّاد أُخفي حّبّي لكيْ لا ينعَتُني النّاس بالفاسقة و كانَ عاشقي يخفي حبّه لي لكيْ لا ينعتونه بالذئب الذي لا يشبعُ إناثاً!
لمَ تلك الصّفات التي وقّع عليها إبليسُ أدمغتهم لتكونَ وصفاً لكل حبيبين أولعها الحبّ العفيف؟
لا و إنّ ملاحقةَ البشريّة التطفليّة لكلّ عاشقين و الترّقبُ عليهما أصبحتْ تشمئزُ منها نفسي و كأنها صفةٌ للقردة الخبيثة أيّها الصيّاد أراها حولي!
أيّها الصيّاد سأفرغُ لكَ وَهني و ضعفَ حيلتي!
في مدينتي يُدفنُ الحبّ حياً و لا يموت!
إنّي أرى الفتى داخل مدينتي يظلّ عاشقاً وافياً حتّى ما يحينَ عمره للتزاوج أُرغمَ بفتاةٍ لا يعرفها لكيْ يُكملَ حياته معها!
و إنّي أرى الفتاةُ باكيةً وافيةً قدْ عفّت نفسها عن جميعِ المُلهيات و تركتْ هذا العالمُ برمته من أجل آنتظارِ حبيبها لتتفاجئ بأنها سترغمُ على الزّواج من رجلٍ لا تعرفه!
في مدينتي أيّها الصيّادُ تزاوجٌ عقيم! في مدينتي يظنون بأنهم يخمدونَ نيران الحبّ بالإنشغالِ بعلاقةٍ جديدة و لا يدرونَ بأنّهم ازدادوْ عُتوّاً في الأرض لأنّه بذلك سيتفشى في مدينتي الظّلم!
كمْ من زفافٍ أيها السّامع لي كانَ عزاءً على عروسيه!
كمْ من فستانٍ خُيّط للعروس كان كفناً تزّف به إلى رجلٍ لا تعرفه و لا تعرفُ ماضيه ليرممّ أهلها كسرها و يكون عذرهم بأنّه رجلٌ صالح للزواج فقط من اسم قبيلته!!
كمْ من عريسٍ كُسرَتْ أوتار قلبه نزفاً على محبوبته التي تركها خلفه لذكرٍ سيتمتع بها غيره! و كلّ أعذارِ أهلهِ الواهية تخبره بأنها الفتاة التي ستصونه و همْ بالكادِ أعجبوا بها لمظهرها فقط!
يا إلهي لقدْ تفشّى الظّلمُ في مدينتي فأصبحتْ جيناتهُ القذرة تتوارثُ يوماً بعد يوم لجيلٍ بعدَ جيل
و ربّما يعيشُ المرءُ قصّة عشق فيسلك هذين الطريقين الموجعة و يتجرع صبابة الموت من ألم الفراق ثمّ إذا ما جاءه ولدُ أو فتاة نسي ما كانَ يحياه من ألم فجعلهم يسلكونَ نفس الطّريق الذي سلكه!
ألمْ أقلْ لك أيّها الصيّاد أن الظّلمَ في مدينتي متوارث؟ و أنّ الأولياء لا يشفقون على الأبناء بلْ يُجرعونهم حليبَ الموت كأساً تلو كأس؟
لقدْ ظُلمتُ في قصّة عشقي و تجرعتُ مرارة الصّبر حتى انتفختْ أوردتي و جفّت دمائي لتعلن الموت الدائم للحظّ!
لقدُ أحببتُ و عشقتُ و تهتُ في صبابةِ محبوبي تلثمّاً و استيهاما!
لقدْ بتّ في أحضانهِ أيّاماً فكانتْ تلكَ رحلتي للفردوس و التّي عدتّ منها لمدينتي إلى دار الجحيم!
و حينما نتجرّدُ من خيالنا و ليلتنا الهادئة في ساعَةِ العشق نرى بأنّ كلّ ما نتجرعه هيَ جُذوعِ شجرِ الزّقوم لا أكثر! و أنّ جنودَ القانونِ يلاحقوننا بالقبضِ علينا متلبسّين بقضيّة الحبّ!!
أعيشُ في مدينةٍ سكّانها مُختلونَ عقلياً و شاعرياً قارئي! ، أنا على يقينٍ تام بأنّك لن ترى مثل هذا التخلّف في مدينةٍ أخرى لذلك قررتُ الرّحيل عنهم فهل تمدّ لي يديك بالبحثِ عن مدينةٍ تُقدّس الحبّ؟
أبحثُ عن مدينةٍ سكّانها يصنعونَ تمثالاً للحبّ تقديساً !
أبحثُ عن أشخاصٍ لا ترْغمُ ذويها بالتّزاوج فقط لكي يقال عنهم تزوجوا في مرحلةٍ مُبكرة فأولئك الطاهرون!
أبحثُ عن قبائلٍ تنعتُ العاشقَ بالوافي الذي إذا وعدَ وفى و تنعتُ العاشقة بالصّابرة التّي إن صبرت صبرت للألف عام فقط لتنالَ مُرادها!
أبحثُ عن قلوبٍ نقيّة تُصفّق للحبّ تشجيعاً لا قلوبٌ تسعى للتّفريق و عذرها أنّ الحبّ لا يدوم!
أبحثُ عن نهجٍ جديدٍ في الحبّ فلقدْ سئمتُ وسائلهم و أعذارهم التافهة بأنّ الزّواج هو نسيانٌ لكلّ قديم و انشغالٌ عن كلّ عشق!
فلو كان الزّواج انشغالُ القلبِ عن الحبّ و محبوبته لما باتتِ الخيانةُ أجمل شعور خلف أعشاش الطّيور المتزاوجة!!
لقدْ باتتِ الخيانةُ خمراً لذيذاً في مدينتي الجميعُ يهرعُ إليه لأنّهم بحاجتهم لها!
و لو أنّك أيّها الظّالم سمحتَ لي بأن أتشارك حياتي مع من أحببتها و لمْ ترغمني بمَ اخترتَ أنت لما كان لجوئي للخيانة أمراً عشقته هكذا!
لقدْ ظلمتني لأنني الآن أصبحتُ خائن!
لقدْ ظلمتَ خلفي عشيقةٌ أحبتنّي حتّى الموت!
و لقد ظلمتَ مسمى الزوجية لي باختيارك لي فتاةٌ على هواكَ لا هوايَ يا والدي!
نحن نحيا في دائرةٍ من الجحيمِ المتوارث!
نحنُ ندفنُ الحبّ بالزّواج و لكنْ سريعاً ما ستعودُ علينا لعنةَ الحبّ معلنةً الإنتقام لِتقودكَ إلى الخيانة اللذيذة!
و إنّي لأؤيّدُ هذه الخيانةُ اللذّيذة لأنّها المفرّ إلى الرّجوع للحبّ الصّادق!
لأنّها الحبّ ذاته و لكنّهم غلفوها بمسمى الخيانة لينفرّوا العاشقين من الرّجوع إلى المواصلة حتّى نيْلِ مُرادهم مع عشّاقهم!
تذّكر يا قارئي بأنّ ليس كلّ زّواج سعيد و تغمرهُ لذّة الآرتباط .. في مدينتي الزّواج مقبرةٌ للكثيرين أُرغمَ ساكنوها على الدّفن بسببِ أولياءِ أمورهم فكلّ أمواتِ هذه المقبرة قدْ سلكوا طريقين!
منهمْ أمواتٌ ساروا على النهج فاستسلموا لسمّ الشوقِ إلى محبوبهم القديم!
و منهم أمواتٌ لجئوا إلى الخيانةِ اللذيذة التي بأصلها عرّفها الباحثون ” بأنّها المرحلة التّي ستجدُ فيها حبيبك و نصفك الآخر بعدما تُوقعك الظّروف في مقبرةِ الزّواج” !
فإن كنتَ ممنْ وجدَ الحبّ الذي يدّق له القلب و يهطلُ له الجبينُ عرقاً بعدما وقعتَ في مقبرةِ الزّواج فلا تخجلْ بينَ قومكَ و سرْ قائلاً : الخيانةُ اللذيذة حقٌ من حقوقنا بلْ هي طريقُ عودتنا إلى الحبّ الحقيقي!
الحبّ الذي يختاره قلبنا فيتضطرب في دقاته لأوّل وهلةٍ يرى شريكه فيها!
الحبّ الذي نعرفهُ بعدمِ السيطرة على قلوبنا حينما تقعُ عينانا بعين من نحبّ
الحبّ الذي يُولّدُ اللهفةَ بداخلنا للتعرّف أكثر عن نصفنا الآخر إعجاباً و طرباً به بعد سعيٍ طويلٍ لـ لقياه!
الحبّ الذي تركض الرّوح له شغفاً و تحاربُ الأنفاس إلى احتضانه شوقاً
ذلك الحبّ الحقيقي الذي تختاره قلوبنا لا الذي يُوجههنا إليه الغرباء!
أيها الرّحال ابحثُ لي عن دولةٍ تضعُ في قوانينها الحبّ كسلامٍ ملكيّ لا يجهله أحد